التضخم يتراجع والدينار يتحسن.. هل يكفي ذلك لإنعاش الاقتصاد التونسي
مع دخول تونس النصف الثاني من عام 2025، تواصل الملفات الاقتصادية والمالية تصدّر المشهد، في ظل مؤشرات متباينة بين انتعاشة نسبية في النمو وتحسن في سعر صرف الدينار من جهة، وغياب رؤية إصلاحية واضحة من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، قدم عبد الجليل الهاني، رئيس لجنة المالية والميزانية في البرلمان التونسي، تقييماً شاملاً لأداء الاقتصاد خلال الأشهر الماضية، كاشفاً عن مواقف البرلمان من ملف المديونية والقروض، ورؤيته لتعزيز الشفافية والرقمنة، إضافة إلى قراءته لسياسات الحكومة وتحديات الاستثمار.
وأكد الهاني في حوار مع «إرم بزنس» تسجيل انتعاشة نسبية انعكست في تضاعف نسب النمو لتصل إلى 2.4% مقابل 0.4% فقط العام الماضي، مشيراً إلى أنّ الدين الداخلي بات يمثل 60% من إجمالي الدين العمومي، في وقت تحسّن فيه سعر صرف الدينار أمام الدولار وتراجعت نسبة التضخم إلى 5.3%.
نمو اقتصادي
وأوضح عبد الجليل الهاني، أن تونس شهدت «انتعاشة اقتصادية نسبية» خلال النصف الأول من العام الجاري 2025، حيث تضاعفت نسب النمو ست مرات مقارنة بعام 2024، لتبلغ 2.4% بعد أن كانت 0.4% فقط.
وقال إن قطاعات البناء والصناعات المعملية والسياحة سجلت نمواً لافتاً، إلى جانب تراجع عجز الميزان الطاقي، فيما أثّر تراجع نسق التصدير سلباً على الميزان التجاري.
تحسن الدينار وتضاعف التحويلات
وأوضح الهاني أن سعر صرف الدينار التونسي شهد تحسناً ملحوظاً أمام الدولار، ما خفّف من أعباء خدمة الديون الخارجية، مشيراً إلى ارتفاع عائدات السياحة وتضاعف تحويلات التونسيين بالخارج وإقبالهم على الاستثمار داخل البلاد.
ولفت رئيس لجنة المالية في البرلمان التونسي، إلى أنّ حجم الأموال المتداولة نقداً تجاوز 3 مليارات دينار.
تراجع الديون والتضخم
وأكد أن النصف الأول من 2025 شهد تراجعاً في الدين الخارجي مقارنة بعام 2024، حيث أصبح الدين الداخلي يمثل نحو 60% من إجمالي الدين العمومي.
وأرجع هذا الإنجاز إلى «السياسات المالية الجديدة» التي قلّصت من الاعتماد على الأسواق الخارجية، وسعت إلى تمويل الاقتصاد محلياً، مع خفض أعباء الفوائد إلى النصف.
وأشار الهاني إلى أنّ السماح للبنك المركزي بتمويل ميزانية الدولة بشكل مباشر جرى ضبطه بآليات لتقليص المخاطر التضخمية، من بينها الحد من القروض الاستهلاكية، ما ساهم في تراجع نسبة التضخم من 5.7% في يونيو إلى 5.3% في يوليو 2025.
رفض قروض تمويل العجز
وشدد على أن لجنة المالية تبنت سياسة «حذرة» تجاه القروض، حيث رفضت جميع القروض الخارجية المخصصة لتمويل عجز الميزانية لسنة 2025، ولم تصادق إلا على 11 اتفاقية قرض موجّهة للاستثمار.
وأضاف الهاني: «الاعتماد على الاقتراض الخارجي لتمويل الميزانية سياسة غير مجدية، لأنها لا تؤدي إلا إلى مضاعفة العجز، خاصة عندما تُوجّه هذه القروض لتغطية النفقات لا للاستثمار وخلق الثروة».
ضبابية رؤية الحكومة الاقتصادية
وانتقد رئيس لجنة المالية ما وصفه بغياب سياسة اقتصادية ومالية واضحة لدى الحكومة، معتبراً أن أغلب الإجراءات الحالية «سطحية ومكررة»، ودليل ذلك عدم قدرتها على مراجعة أو إصدار مجلة صرف جديدة تتماشى مع متطلبات السوق.
كما دعا إلى مراجعة مجلة الاستثمار وتحرير المبادرة الاقتصادية، مع القطع مع نظام التراخيص المسبقة الذي «عمّق سياسة الريع، وسيطرة فئات محددة على وسائل وآليات الإنتاج والتجارة».
دور غير كافٍ
وأكد الهاني أن البرلمان يمارس دوره الرقابي على الميزانية من خلال الأسئلة الموجهة للحكومة وجلسات الحوار معها، إلا أن هذا الدور يظل «غير كافٍ» في ظل غياب مخطط تنموي شامل يمكّن من متابعة كل وزارة لتنفيذ برامجها.
وكشف أن لجنة المالية قامت بجلسات متابعة لملف القروض المصادق عليها، إضافة إلى زيارات ميدانية لمشاريع ممولة من قروض خارجية.
التمويل التشاركي
وبخصوص آفاق التمويل، قال الهاني إن الخيارات «محدودة خارجياً»، داعياً إلى التوجه نحو التمويل التشاركي وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتمويل الاستثمار.
وفي ما يتعلق بالفساد والحوكمة، شدد رئيس لجنة المالية على ضرورة «إرساء منظومة رقمية آمنة وموحدة» لتجميع الموارد والنفقات وضمان الشفافية في إدارة المالية العمومية.
وأشار إلى أن تأخر صدور الأرقام الرسمية من المعهد الوطني للإحصاء يعود إلى «تشتت المنظومات المستعملة وانفصالها»، ما يبطئ تجميع البيانات ويؤثر على دقة التقارير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق